ينص الدستور الأميركي في حال موت الرئيس أو عجزه عن ممارسة مهامه، على تولّي نائب الرئيس لمنصب رئيس الولايات المتحدة. وهذا ما حصل بعد اغتيال الرئيس جون كينيدي عام ١٩٦٣ حيث تولّى نائب الرئيس في حينه ليندن جونسون مقاليد السلطة، وبعد استقالة نيكسون عام ١٩٧٤ آلت الرئاسة لنائبه جيرالد فورد. لكنه لم يحصل في تاريخ الولايات المتحدة أن انسحب أي من المرشحَين (جمهوري أو ديمقراطي) من السباق الرئاسي النهائي، أو أصيب أحد المرشحَين بمرض عضال هدد حياته ومنعه من أكمال حملته الإنتخابية.
على مسافة شهر من موعد الإنتخابات، وفي ظلّ الظروف الإستثنائية التي فرضتها جائحة "كورونا" حيث اعتمدت معظم الولايات التصويت عبر البريد، وتمّ طباعة أكثر من ٢٠٠ مليون لائحة انتخابية، ناهيك من أنه أكثر من مليون ناخب قد أدلوا بأصواتهم وأرسلوا لوائحهم بالبريد، فإنه من المتعذر تأجيل الإنتخابات أو تغيير أي من المرشحين.
ووفقا لكل الإحتمالات، فأنّ الأمر الوحيد الأكيد هو التسليم بإجراء الإنتخابات في موعدها المحدد في الثالث من تشرين الثاني المقبل . ومن بعد ذلك تأخذ الأمور منحى آخر يتعلق بتحديد هوية الفائز بالبيت الأبيض. فإذا كان جو بايدن الفائز بشكل واضح ولا لُبس فيه مع تسليم الحزب الجمهوري بفوزه، تسلك الأمور بسلاسة حتى موعد التصديق على النتائج في ١٤ كانون الأول حيث يقوم المندوبون الفائزون، بحد أدنى ٢٧٠ مندوب من أصل ٥٣٨، بإعادة انتخاب جو بايدن مرّة أخرى وهي عملية أشبه بالتصديق على الخيار الشعبي، ونادراً ما يخالف أحد من المندوبين المنتخبين إرادة حزبه.
أما إذا طعن الحزب الجمهوري بنزاهة الإنتخابات وتبنى نظرية ترامب (العاجز أو الميت) عن حتمية التزوير، ورفع شكوى أمام المحكمة الفدرالية العليا، فعندها سينتظر الجميع قرار المحكمة الذي لا يمكن نقضه أبدا.
أما السيناريو الأكثر تعقيداً هو فوز ترامب (العاجز أو الميت) وهنا يتوجب على الحزب الجمهوري ترشيح شخصاً آخر ليحلّ مكان الرئيس ترامب، وهذا بالأمر اليسير، فتجتمع لجنة الحزب الجمهوري المؤلفة من ١٦٨ عضوا وتسمي مرشحها البديل ليتم انتخابه في ١٤ كانون الأول من قبل مندوبي الحزب الجمهوري الفائزين في الإنتخابات. ولكن تبقى ثغرة كبيرة ومهمة تشوب هذه العملية ، مما يجعلها عرضة للطعن من قبل الحزب الديمقراطي الذي سيستند على القانون الإنتخابي الخاص بكل ولاية. ففي بعض الولايات يمنع القانون المندوبين الفائزين من التصويت لغير المرشح (في هذه الحالة ترامب) الفائز الذي ورد اسمه على اللوائح الإنتخابية، وهذه ثغرة قانونية لم يعالجها الدستور. وبعد التصويت تُعرض النتيجة على مجلس الشيوخ للتصديق عليها، فإذا رفض تصويت المندوبين، فعندها يُحال انتخاب الرئيس الجديد إلى مجلس النواب الأميركي الذي يحق له أن ينتخب رئيساً من ضمن اول ثلاثة مرشحين.
أما السيناريو الأسوأ الذي تنتظره الولايات المتحدة هو أن يستطيع ترامب إكمال حملته الإنتخابية حتى موعد الإنتخابات، ومن غير المعلوم أيهما أسوء فوز ترامب أم خسارته. ففي حال فوزه لا يمكن لأحد أن يتوقع ما يمكن أن يقوم به رئيس عنصري متفلت من كل ما يمتّ بصلة للاخلاق والقيم والمبادئ مع تحرره من هاجس الولاية الثانية الذي سيطلق العنان لجنونه في كلّ مكان.
وفي حال خسارته، فإنه لن يُسلّم بالهزيمة ما دام حيّاً، وهو لا زال يخطط لهذا الإحتمال ويعدّ له العدّة والعتاد، فسيطر على المحكمة العليا بترشيحه السريع للقاضية المحافظة آيمي باريت ليصبح عدد المحافظين ٦ قضاة من أصل ٩، ولا زال أيضاً يُحرّض جمهوره ويدعوه كي يبقى متأهبا بانتظار النتائج التي ستنطلق على إثرها حركة احتجاجات واسعة ستتحول سريعا إلى أعمال شغب ومواجهات في حال خسارة ترامب. فقد قالها صراحة ووقاحة بأنه لن يقبل النتائج إذا خسر الإنتخابات وبأنه لن يسلّم السلطة لأنّ "خسارته معناها أنّ الحزب الديمقراطي قد زوّر النتائج". وهنا يصبح القرار للمحكمة العليا التي حسمت السباق الرئاسي عام ٢٠٠٠ لصالح جورج بوش بمواجهة المرشح الديمقراطي آل غور بعد الإختلاف على فرز الأصوات في أحد أقلام ولاية فلوريدا بالرغم من فوز آل غور بالأصوات الشعبية على مستوى كل اميركا.
وفي كل الحالات يبقى ترامب المشكلة الأساسية والمصيبة الكبرى التي ضربت أميركا والعالم. ففي حال موته أو عجزه يفتح ثغرات الدستور على مصراعيها، وفي حال تعافيه وخسارته في الإنتخابات سيضرب الأمن الإجتماعي لأميركا، وفي حال فوزه سيضرب الأمن الإجتماعي للعالم بأسره.